العلم الشرعي بين المُفتي والمستفتي

قسّم العلماء أنواع العلم الشرعي إلى قسمين، فالأول: العلم الذي يجب على كلّ مسلم مكلّف أنْ يكون على دراية كافية به، ولا يعذر بجهله، فيجب على المسلم أنْ يتعلم الأحكام الأساسية لصحة العبادات التي يؤدّيها، مثل طريقة الوضوء والصلاة والصوم والزكاة وغيرها من أحكام وأركان العبادات والمعاملات، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، أمّا القسم الثاني فهو العلم الذي لا يلزم عامّة المسلمين عادة، وهذا العلم فرض كفاية، يقوم به علماء الأمة وفقهاؤها نيابة عن المسلمين، كعلوم الحديث وأصول الفقه والإفتاء بالمسائل الفقهية المستجدّة، فما حكم الإفتاء بغير علم.

بيان حكم الإفتاء بغير علم

  • الفتوى: بيان حكم الله -عز وجل- ومراد الشرع في المسائل والأحداث، والمستفتي ما طلب الفتوى إلا ليعمل بها،
  • وإذا كان المفتي قد أفتى بغير علم فقد وقع في كبيرتين من كبائر الذنوب: الأولى: أنّه تجرّأ بالافتراء على الله –سبحانه- بما لا يعلم، وقد قال تعالى: (قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، حيث قرن المولى سبحانه تحريم الفتوى بغير علم بتحريم الإشراك به، ممّا يدل على عظم ذنب من فعله، والكبيرة الثانية: أنّه تسبّب في ضلال الناس وإغوائهم، وربّما ركنوا إلى فتواه فوقعوا في محظور شرعي، وقد جاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من العبادِ، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا).
  • شنّع المولى –سبحانه- على أولئك الذين يخوضون في أحكام الدّين يغير علم أو بيّنة، فقال –عز وجل-: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)، وفي الآية دلالة واضحة على أنّ الإفتاء بغير علم من كبائر الذنوب.

ضرورة تحرّي الفتوى من العلماء

  • كان الصحابة الكرام يتهيّبون من الفتوى رغم قربهم من النبي –عليه السلام-، وتنزّل القرآن بينهم، وطلبهم العلم بين يدي النبي الكريم؛ فقد جاء عن التابعي عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما منهم رجل يُسأل عن شيء إلا ودّ أن أخاه كفاه.
  • كان السلف –رحمهم الله- إذا سُئِل أحدُهم عن مسألة لم يتحقّق من جوابها لا يجد حرجاً من أنْ يقول للسائل: لا أدري، مخافة أنْ يقول على الله بما لا يعلم.
  • إذا فعل المستفتي أمراً محرماً أو أَدَّى العبادة المفروضة على وجه فاسد استناداً على فتوى من غير أهلها فقد حمل المفتي بغير علم إثمَه، جاء في الحديث: (مَنْ أُفْتِىَ بِغيرِ عِلمٍ كان إثْمُهُ على مَنْ أفْتاهُ).
  • الأصل بالمسلم أنْ يتحرّى أهل العلم المشهود لهم بالتّقوى والورع والدّراية الكافية بالأحكام الفقهية، قال –سبحانه-: (فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ).

ضوابط هامّة في المفتي

  • يجب على المفتي أنْ يكون متقناً للقضايا الفقهية على المذهب الذي يُفتي به المستفتي، بحيث يكون على معرفة ودراية بالحكم الشرعي ودليله عليه.
  • من أهمّ ضوابط الفتوى أنْ يكون المفتي صاحب تقوى الله وورع ومشهور العدالة بين الناس.
  • القضايا الفقهية المستجّدة أقيمت لها مجامع ومجالس فقهية لبيان حكم الشرع فيها بناءً على جهد مشترك من علماء مشهود لهم بالعلم والعدالة.
  • على المفتي أنْ يكون مطّلعاً على الأعراف والعادات الخاصة ببلد المستفتي، وإدراك ما له تأثير ونتائج في الحكم، كما ينبغي أنْ يحرص على معرفة أحوال السائل، بالإضافة إلى كونه عالمًا بحكم الشريعة بالقدر اللازم للإفتاء.

ننصحكم بمشاهدة الفيديو التالي الذي يتحدث فيه فضيلة الدكتور بلال إبداح عن حكم الفتوى بغير علم: