التسول

يعتبر التسول من الظواهر المنتشرة في الكثير من المجتمعات، حيث يعتمد فيها بعض الأشخاص على جلب قوت يومهم من مدّ أيديهم إلى الناس وطلب المساعدة منهم بطريقة مُذلة ومشينة، فالمتسول شخص اتكالي يرى في طلب المساعدة من الآخرين حلاً لمشاكله المالية، ويعتبر المتسول أن التسول هو الطريقة المناسبة لطلب الرزق، على الرغم من أنها طريقة تُشعر صاحبها بالعجز وبأنه عالة على الآخرين ولا يُحسن عمل أي شيء سوى أن يطلب المساعدة من غيره، وأن يمد يده للآخرين بحجة أنه لا يملك نقوداً.

التسول من الظواهر التي تشوه صورة المجتمعات الراقية، فالمجتمع الذي فيه أشخاصٌ متسولون هو بالضرورة مجتمع يعاني عجزاً ما، قد يكون هذا العجز اقتصادياً بالدرجة الأولى، لكنه أيضاً عجزٌ في الثقافة التي يكتسبها الإنسان، فالشخص الراقي والذي يصون كرامته يعرف تماماً أن التسول لا يناسبه، وأن مدّ اليد للآخرين يعتبر نقصاً ومذلة، خصوصاً أن البعض يتخذون من التسول مهنة وليس مجرد طريقة لسدّ الحاجة، بل أصبح بعض المتسولين يجمعون أموالاً طائلة من تسولهم، والبعض الآخر أصبح يستخدم الكذب والاحتيال ليقنع الناس بحاجته، وهذا يعتبر نقصاً في الأخلاق ويُظهر خللاً واضحاً في أسلوب التربية الذي تلقاه الشخص.

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:  “اليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى وابْدَأ بمنْ تَعُولُ”، لذلك فإن اليد التي تعطي وتقدم العون للآخرين خيرٌ عند الله تعالى من اليد السفلى التي تمتد لطلب الحاجة، فالأولى يدٌ كريمة تقدم من تعبها للآخرين، والثانية تأخذ العطية دون تعب، فالعبرة من هذا الحديث الشريف أن على الإنسان أن يسعى لتكون يده يدٌ عليا تُقدم للآخرين وتعطي، وأن لا يمد الإنسان يده للآخرين إلا مضطراً، فالتسول لا يجلب لصاحبه إلا المهانة، ويجعل قيمة صاحبة متدنية في عيون غيره.

من أكثر السلبيات التي يسببها التسول في المجتمع أنه يعلم الأشخاص الاتكالية ويمنعهم من طلب الرزق، كما أن المتسول لا يقدم لمجتمعه ووطنه أي فائدة، بل يكون عالة عليه وينتظر الشفقة والصدقة من الآخرين، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي تشهده المجتمعات والدول، إلا أن ظاهرة التسول بازدياد مضطرد، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي للأشخاص أصبح متردياً أكثر، وتركزت الثروة في يد القليلين، ورغم هذا كله، لا يوجد أي شيء يبرر التسول، بل يجب تعلم أي مهنة والعمل بها، والسعي في طلب العلم لجلب الرزق والاتكال على الله في هذا، وليس الاتكال على أيدي الناس وما تجود به جيوبهم.