الشعر السياسي
عُدَّ الشعرُ السياسيّ على مدى الحياة الأدبيّة مَنصّةً للتعريفِ بالحركات السياسيّة التي وُلدت في كلّ عصر، من حيث أنّ المؤثّراتِ السياسيّة عامل رئيسٌ في تفتيق المَلَكات الأدبية، وقد تَضمّنَ هذا النوعُ من الشعر توجّهاتٍ وآراءَ سياسيّة تعبّر عن مذهب الشاعر، أو تخدم الطرف السياسي الذي يناصره وينافح عنه ويحتجّ له ويشايعُ أفكارَه، مع حرصه على الجانب الفنيّ للقصيدة وقيمتها الأدبيّة، وفي هذا المقال سيتم التحدّث عن نشأة الشعر السياسي، وذكر أهم شعراء الشعر السياسي.
نشأة الشعر السياسي
يرى النقادُ أنّ الشعرَ الذي دافع عن القبيلة وسجّلَ وقائع الحروب التي خاضتها العرب فيما بينَها آنذاك نواةَ الشعر السياسي؛ إذ إن القبيلة كانت تمثّلُ وحدةً سياسيّة منفردة بآرائها وأعرافِها، وكانت تنبري ألسنة الشعراء لخدمة مصالح قبائلهم، وكان ذلك في فترة ما قبل عصر الإسلام، وقال آخرون إنّ عصر صدر الإسلام هو مَن أوجدَ هذا الشعر؛ فقد عدّوا الإسلامَ حركةً سياسيّة لها مناصرون ولها خصوم، لكنْ لم يتح لهذا الشعر أن يضرب جذوره في الأرض لقصر فترة صدر الإسلام.
في حين يرى آخرون أنه نشأ وليدًا للعصبيّة القبلية بين فخذين لقبيلة واحدة هما: بنو عبد المطلب وبنو أميّة، فقد ظهرت القصائد التي سجّلت المعارك التي دارت بين هذين الفخذين، والتي اتخذت طابعًا سياسيًا، ومن هذا الموضع عَدّهما النقاد طرفين سياسيّيْن أنْشَآ هذا الأدبَ، والتي أوصلتهما الخلافات إلى حرب صفّين وحادثة التحكيم، ما أدّى إلى بروز فئة سياسيّة ثالثة عُرفت بالخوارج، تلك التي خرجت على الإمام عليّ بن أبي طالب -رضي اللهُ عنه- ورفضت التحكيم، وقد خلّدَ التاريخُ الأدبي والسياسيّ مساجلاتِهم ومبارزاتهم الشعريّة، لذا فإنّ الرأي استقرّ على أنّ الشعر السياسي قد اكتملت أركانُه في عصر بني أميّة.
أهم شعراء الشعر السياسي
شهد عصر بني أميّة حركات سياسيّة مُنافسة، فكثرت الأحزاب، واستنهضت شعراءَها للدفاعِ عنها وبيانِ توجّهاتها، وقد انقسم الشعراء الأمويّون في ذلك إلى فرق رئيسة، وفيما يأتي أهم شعراء الشعر السياسي:
- شعراء العلويّين: يُذكَر أنهم كثيرون، إلّا أنهم خشوا بطش بني أميّة بهم، فاستسرّوا، ومِنهم من أظهر مناصرتَه لهم كسبًا للمال مثل الفرزدق الذي أجزل في مدائحه بهم، ومنهم مَن شايَع الأمويين والعلويين في أشعارهم، ويُذكر منهم: أيمن بن خريم والكُمَيت، ويُحسَبُ لشعراء العلويين خاصّةً أنهم أشْعَرُ مَن قَرَضَ الشعر في هذا السياق؛ فكانوا أدقَّ إحساسًا وأرقَّ شاعريّةً من غيرهم؛ لما شاهدوه مِن الاضطهاد الذي أصابَ شيعةَ الإمام عليّ.
- شعراء الزبيريّين: كانوا قِلّةً، ومُتغيّري المزاج، ويُذكر منهم: إسماعيل بن يسار، وأبو وجزة السعدى، والنسائي، وابن قيس الرّقيّات الذي عُرف بشدّة ضغينته على بني أميّة فأخذَ يشيدُ بالزبيريّينَ ويفيضُ عليهم من عيونِ قصائده.
- شعراء الخوارج: كانوا أكثرَهم ثباتًا على قناعاتهم السياسيّة، وإيمانًا بعقيدتهم فلم يجنحوا إلى الشعر طلبًا للمال، ولم يميلوا إلى الأمويين خوفًا ولا طمعًا، فإن أكثرهم أبناءُ معارك وأبطال مشادّات، ويُذكر منهم: الطرماح بن حكيم وهو أشهرُهم وأغزرهم شعرًا، واتسم شعر الخوارج على عمومِه برصانة تركيباته، وحوشيّة ألفاظه، وسلامة لغته.
- شعراء بني أميّة: وكانوا أكثر شعراء الأطراف السياسيّة عددًا، فقد التفّ كثيرون منهم حول السلطة تكسّبًا وطمعًا، كما أنّ كثيرين من شعراء الزبيريّين والشيعة تحوّلوا إلى مناصرة الأمويين حين يئسوا من الوصول إلى السلطة، وقد استقرّ أنّ شعراء الخوارج وحدهم مَن ثبتوا على موقفهم من بني أميّة.