الشعر مرآة عصره، وكان الشعر في عصر صدر الإسلام معبرا عن أحداث هذا العصر، وكان من أكبر الأحداث في هذا العصر دعوة الرسول_صلي الله عليه وسلم _للإسلام، وإن قسم الناس إزاء دعوته إلى مؤمن، وكافره، وكذلك انقسم الشعراء، فكما قال الدكتور شوقي ضيف في كتابه العصر الإسلامي صظ¤ظ£وما بعدها ما ملخصه:_

ومن يرجع إلى المصادر يستقر في نفسه أن الشعر ظل م دهرا في صدر الإسلام، وليس بصحيح أنه توقف أو ضعف كما ظن ذلك ابن خلدون، وتابعه في ذلك بعض المعاصرين، والإسلام لم يكن ضد الشعر، و إنما قوله تعالى :(الشعراء يتابعهم الغاوون ألم ترأنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات واذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا) الشعراء منظ¢ظ¢ظ¤إليظ¢ظ¢ظ§، ووضح من نفس هذه الآيات أن القرآن الكريم إنما يهاجم شعراء المشركين الذين كانوا يهجون الرسول_صلي الله عليه وسلم _ويحاربون دعوته، فالقرآن لم يهاجم الشعر من حيث هو شعر، وإنما هاجم شعرا بعينه كان يؤذي الله ورسوله وهوصلي الله عليه وسلم قال:(إن من البيان لسحرا، وإن من الشعرلحكماأو حكمة) وكان يشجع حسان بن ثابت وغيره على نظم الشعر، وكان بعض خصوم الرسول_صلي الله عليه وسلم _ممن توعدهم يتخذه وسيلة إلى استرضائه، وعفوه عنه مثل كعب بن زهير الذي قال شعرا ضد الإسلام ضد الإسلام، ثم أنشد قصيدة مشهورة يطلب فيها الصفح من الرسول_صلي الله عليه وسلم _عن إساءته؛ فتهلل وجه الرسول_صلي الله عليه وسلم _بشرا، وأعطاه بردته

وإن الرسول_صلي الله عليه وسلم _اتخذ الشعر سلاحا قويا ضد خصومه من مشركي قريش، وأعداء رسالته؛ إذكان يرى أن أثره أقوى من أثر السيف

من الظلم للإسلام أن يقال أنه منع العرب عن الشعر وأوقف نشاطه، وعندما دارت المعارك بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين المشركين أخذ الشعراء من الجانبين يدافعون عن موقفهم، فظهر من شعراء المشركين أبي سفيان بن الحارث، وعبد الله بن الزبعري، وضرار بن الخطاب، وأبي عزة الجمحي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وهؤلاء يهاجمون الرسول_صلي الله عليه وسلم _وأصحابه من المهاجرين والأنصار، وعز ذلك على النبي_صلى الله عليه وسلم _لهجائهم له من ناحية، ولأنهم كانوا يصدون عن سبيل الله، فقال للأنصار"ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟" فقال حسان بن ثابت :أنا لها، وانضم إليه كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة.

فهذا حسان يتحدى أبا سفيان بن الحارث

هجوت محمدا فأجبت عنهآ 

آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي

آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ لعرض محمد منكم وقاء

أتهجوه ولست له بكفء

آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ فشركما لخيركما الفداء

وكان كثيرا من شعراء العرب يقفون مع قريش باكين قتلاها، ومحرضين لها على كفاحها ضد الرسول_صلي الله عليه وسلم _مثل:_أمية بن أبي الصلت، والأسود بن يعفر الذي أشاد بانتصار قريش في أحد، وكان يرد عليهم جميعا شعراء المدينة متواعدين مهددين.

وبعد فتح مكة، ودخول الكثير في الإسلام، نظم الكثير من الشعراء كأبي سفيان بن الحارث أشعارا كثيرةيأسي فيها على ما فرط في جنب الله ورسوله.

وتنسب إلى عباس بن مرداس فارس بني سليم أشعار كثيرة يمدح فيها الرسول_صلي الله عليه وسلم _

نبي أتانا بعد عيسى بناطق

آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ من الحق فيه الفصل منه كذلكا

ولما انتقل الرسول_صلي الله عليه وسلم _إلى الرفيق الأعلى بكاه الشعراء بكاء حارا مثل قصيدة حسان التي يسهلها بقوله:

ما بال عيني لا تنام كأنما

آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  آ  كحلت مآقيها بكحل الأرمد

الشعر في العصر الإسلامي

يُطلق على عصر الرسول عليه الصلاة والسلام وعصر الخلفاء الراشدين، وعصر بني أمية بالعصر الإسلاميّ، وقد أرّخ الدارسون زمنه منذ بداية ظهور الدين الإسلامي وانتشاره وحتى نهاية خلافة بني أميّة عام 132 للهجرة، وقد شهد هذا العصر الكثير من التغيرات والتطورات من جميع النواحي السياسيّة، والدينيّة، والأدبيّة.

خصائص الشعر في العصر الإسلامي

الأغراض الشعريّة والموضوعات

هجر الشعراء معظم الأغراض الشعريّة التي تتنافى مع تعاليم الإسلام كالغزل الفاحش، ووصف مجالس اللهو والخمر، والفخر بالباطل، والمدح المنافق والكاذب، وظهرت أغراض جديدة تتماشى مع أهداف الشريعة الإسلاميّة ومنها: الدعوة إلى الدين الجديد، والإشادة به، ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وتهديد الأعداء، بالإضافة إلى حث الناس على نصرة ورفع راية هذا الدين الحنيف.

المعاني والأفكار

تميزت معاني الشعر في العصر الإسلامي بدعوتها إلى المثل العليا، والأخلاق الحسنة والحميدة، والابتعاد عن المدح المزيف والمبالغ فيه، وقد اكتسبت هذه المعاني بفضل الإسلام إشراقاً واتساعاً وعمقاً كبيراً.

الألفاظ والعبارات

أثرت الآيات القرآنيّة الشعر العربي بالكثير من الألفاظ والكلمات الجديدة، فشاعت ألفاظ مختلفة ومتنوعة، كما رقّت الألفاظ التي استعملها شعراء الحضر خاصة، وأصبحت تراكيبهم وأساليبهم أكثر عذوبة وسلاسة.

الصور الفنيّة والخيال

بقي الشعراء متأثرين بالصور الفنيّة التي شاعت في العصر العباسي، لكنّ الكثير منهم أخذوا من الصور والبيان القرآنيّ، واقتبسوا من نوره الصور التي تتصف بالعذوبة والجمال.

خصائص الشعر في عصر بني أمية

الأغراض الشعريّة والموضوعات

ظهرت في العصر الأموي الكثير من الأغراض الشعريّة التي هذبها الإسلام كالغزل الصريح الحسي الذي يقوم على وصف المحاسن الجسديّة للمحبوبة، ومن أشهر شعرائه عمر بن أبي ربيعة، كما ظهر الغزل العذري الذي يُناقض الغزل الصريح ولا يتعدى حدود الأدب والأخلاق في وصف المحبوبة، بالإضافة إلى ظهور النقائض وشعر الفتوحات.

التأثر الكبير بالمعاني الإسلاميّة

تأثر شعراء هذا العصر بمن سلفهم من شعراء فترة صدر الإسلام وخاصة في القيم الإسلاميّة والمعاني الحميدة التي تقوم على وصف الدين الحنيف، والحث على نشره، كما اتصف شعر هذه الفترة بكثرة الألفاظ الجزلة، والتراكيب المتينة، واللغة البدويّة، إضافة إلى أنّ أصحاب هذا الشعر استقوا معانيهم من التراث الشعري الجاهلي.

الوحدة الموضوعيّة

غلبت على قصائد العصر الأموي الوحدة الموضوعيّة في القصيدة، بمعنى التزام الشاعر بالحديث عن موضوع واحد لا غير، فوجد شعر الفتوحات الذي يصف الفتوحات الإسلامية ويتغنى بها فقط، بالإضافة إلى الشعر العذري والصريح.