مُلخَّصٌ عن السيرة النبويّة قبل البِعثة

مَولد النبيّ ونشأته

وُلِدَ نبيّ الأمة، وخاتم الرُّسل محمد -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل من عام الفيل، وقد رأت أمّه حين ولادته كأنّ نوراً يخرج منها تُضيء له قصور الشام، وقد نشأ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قومه يتيماً دون أب؛ فقد ظلَّ مع أمّه التي سَعَت إلى التماس المَراضع له منذ صِغره، فأرضعته مُبكِّراً مَولاة أبي لهب، وتُدعى ثويبة، ثمّ أخذته أمّه إلى ديار بني سعد؛ التماسَ مُرضعةً له من الأعراب؛ فأرضعته هناك السيّدة حليمة السعديّة، وبقيَ عندها زماناً، وحصلت له في تلك الديار حادثة شَقّ الصَّدر؛ حين أتاه جبريل -عليه السلام-، فشَقّ عن صَدره، وأخرج قلبه، فشَقَّه نصفَين، ثمّ أخرج منه قطعةً سوداء؛ وهي حَظّ الشيطان منه، ثمّ غسلَ القلب بماء زمزم، ثمّ لَأَمَ قلبه، وأعاده إلى مكانه، ثمّ أعادته مُرضعته إلى أهله.[ظ،]


مكث محمّدٌ -عليه الصلاة والسلام- عند أمّه حتى كتب الله عليها الوفاة؛ وذلك حينما كانت برفقة نبيّ الله في زيارةٍ لأخواله من بني النجّار في المدينة المُنوَّرة، وبعد وفاة أمّه، كَفِلَه جدّه عبد المطّلب، ثمّ ما لبث أن تُوفّي، وكان عُمر النبيّ ثمانية أعوام، ثمّ كَفِلَه عمّه أبو طالب، فنشأ في بيته، وحينما عاينَ النبيّ فَقْرَ عمّه، قرَّرَ مساعدته في تحمُّل نفقات البيت، فرعى غنمَ قريش زماناً، ثمّ عَمِلَ مع عمّه في التجارة إلى الشام، وفي إحدى رحلاتهم التجارية إلى الشام، لاحظ أحد الرُّهبان حين كان يتعبّد في صومعةٍ له علاماتٍ تدلّ على وجود نبيٍّ في تلك القافلة، فخرج إلى القوم مُخبراً إيّاهم بأمر محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكيف أنّه سيكون نبيّاً في آخر الزمان، والمَبعوث رحمةً للعالَمين، وأخبرهم بما رأى من حاله، ومن ذلك سجود الشجر، والحجر له، وتظليل الغمامة له أثناء مَسيره.[ظ،]

شباب النبيّ

اشتُهِر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في شبابه بالصدق، والأمانة، وعُرِف بهما بين أقرانه، وحينما ذاع صيته بين الناس، أوكلَته السيّدة خديجة -رضي الله عنها- بالتجارة بأموالها، وكانت امرأةً عاقلةً، وصاحبةَ أموالٍ، فنجحَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإدارة أموالها، وأدرَّ عليها الكثير من الرِّبح بفَضل حِنكته، ومهارته في التجارة، فدعَته السيّدة خديجة إلى خِطبتها؛ لِما رأت من مقام له بين الناس، وخَبرته من أخلاقه، فتزوّجها النبيّ، وكان عمره خمساً وعشرين سنةً، بينما كان عُمرها أربعين سنةً، وظلَّ زوجاً مُخلصاً لها طيلة خمسٍ وعشرين سنةً إلى حين توفّاها الله، وتجدر الإشارة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما بلغ من عمره خمساً وثلاثين سنةً، حصل له موقفٌ مع قومه، فدلّ على حِكمته، وحُسن تصرُّفه في الأمور؛ حيث اختلفت قبائل قريش عند إعادة بناء البيت في وَضع الحجر الأسود، ومَن سيقوم بتلك المهمّة؛ فقد أرادت كلّ قبيلةٍ أن تحوز شرفَ نَقل الحجر، فاختلفوا إلى نبيّ الله محمّدٍ؛ لحَلّ النِّزاع بينهم، فأشار عليهم أن يضعوا الحجر الأسود في رِداءٍ، وتُمسك كلّ قبيلةٍ بطَرفٍ منه، فوافقوا على رأي النبيّ، وحملوا الحجر الأسود، ثمّ وضعَه النبيّ في مَوضعه.[ظ¢]

تعبُّد النبيّ في غار حراء

حُبِّبت إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الخُلوة مع ربّه، فكان يتعبّد على دين الحنيفيّة الليالي ذوات العدد في غار حراء، وكانت أوّل عهده بالوحي الرؤيا الصادقة؛ إذ كان يرى المَنام، فيتحقّق في الواقع كفَلق الصُّبح، وفي إحدى المَرّات، وبينما كان النبيّ في غار حراءٍ، وكان يبلغ أربعين سنةً من عُمره آنذاك، إذ بجبريل -عليه السلام- يتنزّل عليه من السماء، ويأمره بالقراءة، فيقول له إنّه ليس بقارىء، ثمّ يُعيد جبريل عليه الأمر مرّتًين، فيعتذر النبيّ في كلّ مرّةٍ، ثمّ تتنزّل عليه أولى آيات الوَحي على لسان جبريل -عليه السلام-، وهي قَوْله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)،[ظ£] ثمّ يعود النبيّ بعد تنزُّل تلك الآيات عليه إلى السيّدة خديجة خائفاً مُرتعِداً، فتُزيل عنه هَمّه، وتُسكّن روعه، وتُذكّره بأخلاقه بين الناس، وأنّه يُقري الضيف، ويصل الرَّحِم، ويُكسب المَعدوم، ويُعين على النوائب، ومَن كان ذلك حاله فلا يُضيّعه الله، ثمّ ذهبت معه إلى ابن عمّها؛ ورقة بين نوفل، وكان رجلاً نصرانيّاً عنده عِلمٌ من الكتاب، فسألته عمّا حدث مع النبيّ، فأدرك بعلمه أنّ ذلك ما هو إلّا الناموس الذي أُنزِل على موسى -عليه السلام-، فازداد النبيّ ثباتاً على أمره.[ظ¤][ظ¥]

أحداث الدعوة المكّية

نزول الوَحي على النبيّ

نزل الوحي على النبيّ محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- أوّل مرّةٍ؛ تهيئةً وتعليماً له، ثمّ رجع جبريل -عليه السلام- بالوحي بعد ستّة أشهرٍ؛ إيذاناً ببَدء مرحلة الدعوة والرسالة بعد أن هيّأه لنزول الوحي من قبل، وقد دلّ على الرسالة في تلك المرحلة وغايتها قَوْله -تعالى-: (قُمْ فَأَنذِرْ)؛[ظ¦] فالقيام يستدعي التهيُّؤ لتلك المرحلة، واستحضار جميع المعاني التي تُعين على أداء مَهامّها من الإخلاص، والاستقامة على أمر الله.[ظ§]

الدعوة السرّية

بعد نزول الوحي والأمر بالدعوة، وذلك في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ)،[ظ¨] بدأ النبيّ واجبات الدعوة، وأعباءها بإنذار الناس؛ فدعا أقرب الناس إليه؛ وهم أهله، وأصحابه، وكانت دعوته لهم سرّية؛ كي لا يُعرّضهم الجَهر بالإسلام للهلاك، والقَتل على يد قريش التي تعصّبت لعبادة الأصنام، وقد استمرّت هذه الدعوة سرّاً مدّة ثلاث سنوات.[ظ©]

جَهْر النبيّ بالدعوة

بدأ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الجَهْر بالدعوة إلى الإسلام حينما نزل قَوْله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)؛[ظ،ظ ] فانطلق النبيّ لدعوة قومه؛ حيث وقف على جبل الصفا منادياً إيّاهم؛ ليجتمعوا عنده، فاجتمع جُلّ القوم، فخطب فيهم النبيّ مُختبراً مكانته فيهم، ومدى مصداقيّته عندهم، حيث استفهم ابتداءً عن تصديقهم إيّاه إن حذّرهم من خيلٍ قادمةٍ بسفح الجبل تريد أن تُغير عليهم، فأجاب القوم كلّهم بتصديقه في ذلك، فقال لهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بأنّه مُنذِر لهم من عذاب الله إن استمرّوا على حالهم.[ظ،ظ،]

إيذاء قريش

بدأت قريش بإيذاء المسلمين منذ أن جَهَر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بدعوته، ولم تَأْلُ خلال سنينٍ عشرٍ جُهداً في إيذاء المؤمنين، وإهانتهم، واللمْزِ بهم قولاً، وفِعلاً، ولم يسلم صاحب الدعوة والرسالة من الأذى؛ فقد نال نصيباً وافراً من الاتِّهامات الباطلة، والتشهير الأرعن؛ فقد اتُِّهم تارةً بالجنون، وتارةً أخرى بالسِّحر، وعانى أصحابه من الظُّلم، والتحقير، والشتائم؛ فما لانَت قناتُهم، وما ضَعُفَت عزيمتُهم.[ظ،ظ¢]

الهجرة الى الحَبَشة والمُقاطعة

حينما اشتدَّت معاناة المسلمين؛ جرّاء ازدياد تعذيب قريش لهم، رَخَّص لهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الهجرة إلى الحبشة إلى أن يُحدث الله لهم من أمرهم فَرَجاً، ومَخرَجاً، وكانت بلاد الحبشة تَدين بالنصرانيّة، ويحكمها ملكٌ عادلٌ رَفيقٌ بالناس، فهاجر إليها المسلمون مرّتَين؛ إذ بلغ عددهم في المرّة الأولى اثني عشر رجلاً وأربع نِسوة، بينما بلغ عددهم في المرّة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وإحدى عشرة امرأةً، ثمّ اشتدّ الأذى على النبيّ، والمسلمين، وقرَّرَت قريش مقاطعة بني هاشم في شِعاب مكّة؛ فامتنعت عن التعامُل معهم، أو مُناكحتهم، أو مُبايعتهم، واستمرّت هذه المقاطعة ثلاث سنواتٍ، ثمّ شاء الله أن يرفع تلك المقاطعة بتسخير أحد العقلاء؛ لإنهائها، وتجدر الإشارة إلى أنّ حدث الهجرة إلى المدينة كانت قد سبَقَته وفاة عمّ النبيّ؛ أبي طالب، وذلك في السنة العاشرة من البعثة النبويّة، فحَزِنَ النبيّ لموته كثيراً؛ بسبب نُصرته إيّاه، ودَفعه أذى قريش عنه، ثمّ تُوفِّيت في السنة ذاتها السيّدة خديجة -رضي الله عنها-، فازداد حُزن النبيّ؛ فسُمِّيت تلك السنة (عامَ الحُزن) بسبب ذلك.[ظ،ظ£]

خروج النبيّ إلى الطائف

اشتدّ الألم والعذاب على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقلّ النَّصر بغياب عمّه أبي طالب، فقرّر النبيّ الذهاب إلى الطائف؛ لعَلَّه يجد عندهم النُّصرة، إلّا أنّه لم يجد من قومها سوى الأذى والتنكيل؛ إذ رَمَوه بالحجارة، وأغرَوا به سفهاءهم وصغارهم، فعاد النبيّ إلى مكّة المُكرَّمة مرّةً أخرى؛ للدعوة إلى الله،[ظ،ظ£] ثمّ حدثت مع النبيّ معجزة الإسراء والمعراج التي جاءت؛ تسريةً عن نفسه، وتثبيتاً له؛ فقد أُسرِي بروح النبيّ وجسده في إحدى الليالي من مكّة المُكرَّمة إلى بيت المَقدس، ثمّ عُرِج به إلى السماء؛ حيث مَرّ بالأنبياء كلّهم، وسَلَّم عليهم، ورأى مِن آيات ربّه الكُبرى، وفُرِضت على المسلمين في تلك الليلة أهمّ عبادةٍ ورُكنٍ من أركان الإسلام؛ وهي الصلاة، وجعلها الله على أمّة الإسلام خمسَ صلواتٍ في اليوم والليلة.[ظ،ظ¤]

مُلخَّصٌ عن السيرة النبويّة بعد الهجرة

الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة

استمرّ النبي بالدعوة إلى الإسلام بعد رجوعه من الطائف، واستثمرَ موسم الحجّ؛ لمُقابلة الناس، وعَرْض الدِّين عليهم، وصادف أن قابل شباباً من المدينة المُنوَّرة كانوا قد قدِموا للحجّ، فعرض عليهم الإسلام، فأجابوه إليه، ورجعوا إلى قومهم، ودعَوهم إلى الإسلام، وهَيّؤوا المدينة؛ لاستقبال النبيّ، وبايعوه على الحماية له، ولدينه، وفي بداية الأمر أَذِن النبيّ لأصحابه بالهجرة، فخرجوا من مكّة إلى المدينة سرّاً، ثمّ خرج منها هو وصاحبه أبو بكر الصديق، ولَمّا علمت قريش بخروج النبيّ إلى المدينة، أرسلت خلفه مَن يقتله، إلّا أنّ الله حمى نبيّه في هجرته، ولَمّا كان في غور ثور أيضاً، ثمّ وصل إلى المدينة بسلام.[ظ،ظ¥]

بناء المسجد

أذن الله تعالى للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالانتقال من مكة إلى المدينة ، وكان أول ما اهتم به الرسول بناء مسجد ، وباركت جماله على أرض يتيمين ، فأخذهم منهم. تم شراء الجمال هناك. كن موقع بناء المسجد. 16

المُؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار

بنى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المسجدَ، ثمّ حقَّق عملاً جليلاً أرسى من خلاله دعائمَ الأُخوّة بين المسلمين؛ وذلك حينما آخى بين المُهاجرين، والأنصار، في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فأصبح المسلمون في المدينة إخواناً يتشاركون مع بعضهم لقمة عيشهم، وكانت تلك المُؤاخاة حَلّاً للضائقة المالية التي حَلّت بالمُهاجرين بعد تَرْكهم أموالَهم في مكّة.[ظ،ظ¦]

غزوات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

أَذِن الله -تعالى- لنبيّه -عليه الصلاة والسلام- بقِتال المشركين من قبائل العرب بعد استقراره في المدينة المُنوَّرة، فبدأت تلك الغزوات بغزوةٍ كُبرى انتصرَ فيها المسلمون؛ وهي غزوة بدر، واستمرّت تلك الغزوات حتى بلغت ما يقارب خمساً وعشرين غزوةً، وقِيل ستّاً وعشرين، وقِيل سبعاً وعشرين، قاتل النبيّ في تسعٍ منها، وهي: بَدر، وأُحد، والخندق، وبني قريظة، وبني المُصطلق، وخيبر، وفَتح مكّة، ويوم حُنين، والطائف، وكان فتح مكّة أهمّ تلك المعارك؛ إذ انطلقت شرارتها في اليوم العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة؛ حينما نقضت قريش اتِّفاقها مع رسول الله؛ بقتال حُلفائه من بني خُزاعة، فاستنفر النبيّ أصحابه؛ لإعداد جيشٍ بلغَ قِوامه عشرة آلاف مُقاتلٍ، وتوجّهوا تلقاء مكّة المُكرَّمة، فدخلوها فاتحين دون قتالٍ، ودخل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- البيت الحرام، وحَطّم الأصنام، ثمّ أمرَ بلالاً، فأذّنَ للصلاة، ثمّ وقف خطيباً في القوم عافياً عنهم، مُطلِقاً سراحهم بقَوْله: "اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء".[ظ،ظ§]

وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام بمكة. لأداء مراسم الحج الوحيدة في السنه العاشره، هذه الحجة هي: السماح للناس بتطهير المنزل المقدس من الشرك والضلال ، وكما تنص الحجة ، ابدأ مرحلة جديدة من النقاء والإيمان ؛ أرسل إلى رسول من إشارة الله ، أن وقته آت. لقد وقف بين الناس بالوعظ ، وأوصى لهم بسلسلة من الوصايا الأبدية. وتجدر الإشارة إلى أن الشكوى بدأت مع رسول الله في آخر شهر من شهر صفر الذي هاجر منذ إحدى عشرة سنة. لذلك طلب من زوجاته العمل ممرضات في بيت والدة المؤمن السيدة عائشة رضي الله عنها ، وعهد إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وإمامة المسلمين للصلاة. وأثناء مرضه كانت وفاته يوم الاثنين. الثاني عشر من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة للهجرة