الطريقة الأولى

وتتمثّل هذه الطريقة بتحديد الكَمّ؛ أي أن تُقسَّم السورة الواحدة إلى أكثر من قسم -حسب قدرة الحافظ على الحِفظ-؛ فمثلاً يحفظ سورة الكهف على أربعة مراحل، أو خمسة -حسب استطاعته-،[ظ،] وتقسيم الحافظ للسورة المُراد حِفظها لا بُدّ أن يكون وِفقاً للآيات المُترابطة في المعنى؛ فلا مانع من قراءة التفسير المُيسّر للآيات قبل الشروع في حِفظها؛ لزيادة التمكُّن، كما يحرص الحافظ على تكرير المقطع الواحد خمس مرّات فأكثر؛ حتى يترسَّخ في ذهنه دون تفلُّت، وعند الانتهاء من حِفظ المقطع الأوّل يبدأ بحِفظ المقطع الثاني من آخر آيةٍ في المقطع الأوّل؛ إذ يساعده ذلك على الرَّبط بينهما، مع ضرورة تكرار ما تمّ حِفظه بتركيز، ورَبط المقاطع جميعها ببعضها[ظ¢].


وعلى الرغم من صعوبة رَبط السورة دفعة واحدة؛ لاختلاف الأوقات، والظروف التي تمّ حِفظها فيها، إلّا أنّه من الممكن حلّ هذه المشكلة وتلافيها؛ بكثرة تلاوة الحافظ للسورة على دفعة واحدة في وقت واحد، ومع الوقت، فإنّه سيتمكّن من تسميع السورة دفعة واحدة، وتُعَدّ هذه الطريقة من الطرق المُنتشرة بين الحُفّاظ والمُقرِئين؛ لأنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يأخذ القرآن من جبريل خمساً خمساً، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- لا يحفظون الجديد إلّا بعد إتقانهم الحِفظَ القديم، وعملهم بما جاء فيه، ويُشار إلى أنّ هذه الطريقة تساعد على ترسيخ الحِفظ، وهي من الطرق السهلة في تحفيظ القرآن للأطفال، ولِمَن تنقصهم الخبرة، كما أنّها تساعد الحافظ على التفريق بين الآيات المُتشابهة في التراكيب والألفاظ، علماً أنّه لا بدّ من وضع خطّة زمنيّة للحِفظ؛ حتى يتيسّر للحافظ تقسيم السورة، وحِفظها وِفق جدول زمنيّ يتناسب مع طاقته، وأحواله.[ظ،]

الطريقة الثانية

لا يمكن حِفظ القرآن الكريم دون عَونٍ من الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك يُعَدّ الإخلاص لله -تعالى- في حِفظ القرآن، والاستعانة به من أنفع الطرق، وأفضلها، بالإضافة إلى أنّ لحافظ القرآن منزلة عظيمة ينالها، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الطريقة تتمثّل بضرورة وجود شيخ مُتقِن للتجويد؛ تلاوةً، وترتيلاً؛ ليأخذَ الحافظ بإرشاداته، ويتلو عليه ما حَفِظه من آيات، فيُصحِّح له الشيخ تلاوته، ومن ثمّ يكون الجهد على الحافظ؛ وذلك بترديد ما حَفِظه من الآيات طوال يومه؛ حتى يتمكّن من حِفظها، مع مُداومته على مراجعة كلّ ما حَفِظه في الأيّام التالية، وترسيخه، وتثبيته؛ بكثرة قراءته؛ بحيث يقرأ كلّ يوم منه وِرْداً، وخير الأوقات وأفضلها للحِفظ والمراجعة ما يكون وقت الفجر؛ سواء كان قبل الفجر، أو بَعده، وينبغي على الحافظ أن يكون من الصابرين في حِفظه؛ فالصبر هو المُعين على المُداومة، والاستمرار في الحِفظ.[ظ£]

الطريقة الثالثة

وتُسمّى هذه الطريقة (طريقة الحصون الخمسة)؛ وهي طريقة سهلة ومُيسِّرة لحِفظ القرآن الكريم في زمن يسير، وتتلخّص في خمسة حصون، بيانها فيما يأتي:[ظ¤]

  • الحصن الأوّل: المحافظة على قراءة القرآن الكريم باستمرار؛ بواقع جُزأين يوميّاً، في مدّة أقصاها أربعين دقيقة، مع كثرة الاستماع إلى القرآن الكريم؛ بالتزام وِرْد يوميّ يقارب الحزب تقريباً.
  • الحصن الثاني: التحضير المُستمِرّ، والذي يُعَدّ من أقوى الحصون التي تساعد على حِفظ القرآن الكريم، وهو يُقسَم إلى: التحضير الأسبوعيّ؛ بقراءة الصفحات المُراد حِفظها في الأسبوع التالي، ومساندة ذلك بقراءة التفسير، ممّا يساعد على دَعم الحِفظ، والتحضير الليليّ؛ بحيث يُكرّر الحافظ سماع المُراد حِفظه في اليوم التالي مدّة خمس عشرة دقيقة، ثمّ يقرؤه بالترتيل السريع مع تكرار القراءة خمس عشرة مرّة، ولا بُدّ أن يكون وقت هذا التحضير قبل النوم مباشرة؛ لأنّ ذلك يساعد على تذكُّره في اليوم التالي، بالإضافة إلى التحضير القَبليّ؛ وهو تكرار الحِفظ قبل الشروع في الحِفظ الجديد؛ بواقع خمس عشرة مرّة، وبتركيز شديد مدّة خمس عشرة دقيقة لكلّ صفحةٍ من الحِفظ، مع الامتناع عن النَّظَر في المصحف في الدقائق الخمس الأخيرة.
  • الحصن الثالث: الابتداء بالحِفظ الجديد مدّةً لا تقلّ عن خمس عشرة دقيقة، وتكراره؛ فالتكرار يساعد على تمكين الحِفظ، وتثبيته.
  • الحصن الرابع: مُراجعة القريب؛ ويكون ذلك بمراجعة الصفحات العشرين المُلاصقة لصفحة الحِفظ الجديد يوميّاً؛ بحيث يكون ذلك بالتدرُّج.
  • الحصن الخامس: مُراجعة البعيد؛ ويكون ذلك بمراجعة الحِفظ الذي يكون بعد الصفحات العشرين المُلاصقة لصفحة الحِفظ الجديد؛ أي مراجعة الأربعين صفحة الماضية، وهكذا؛ ويكون ذلك بالتدرُّج مرّة واحدة أسبوعيّاً.

الطريقة الرابعة

وهي طريقة الحِفظ بالتكرار؛ ويكون ذلك بتكرار الآية الأولى من المُراد حِفظه عشرين مرّة، ثمّ تكرار الآيات التالية؛ كلّ آية على حِدة؛ بواقع عشرين مرّة لكلّ آية، حتى تصل الآيات إلى أربع، ثمّ يتمّ الرَّبط بين الآيات الأربع، وتُكرَّر قراءتها عشرين مرّة، ثمّ تُحفَظ أربع آيات أخرى، وتُكرَّر كلّ آية عشرين مرّة بالطريقة السابقة نفسها، ثمّ يتمّ الرَّبط بين الآيات الأربعة الجديدة عشرين مرّة، وبعد ذلك يتمّ تكرار ما تمّ رَبْطه في الحِفظَين عشرين مرّة، وعند الانتهاء من حِفظ وجه واحد من المصحف وقبل الشروع في الحِفظ الجديد يُكرَّر هذا الحِفظ عشرين مرّة؛ حتى يترسَّخ، ويثبت، ثمّ يُشرَع في الحِفظ الجديد.[ظ¥]

طرق تحفيظ القرآن الكريم تِبعاً للأنماط الشخصيّة

تتعدّد طُرق حِفظ القرآن الكريم؛ وِفقاً لتعدُّد أنماط الأشخاص في استغلال قدراتهم، وطاقاتهم في الحِفظ، وبيان هذه الأنماط والطرق فيما يأتي:[ظ¦]

  • النَّمَط البصريّ: تُعَدّ طريقة الكتابة من الطرق العمليّة التي تساعد على ترسيخ الآيات في ذِهن الحافظ، علماً أنّ هناك العديد من وسائل الكتابة في الوقت الحالي، ومنها: الورقة والقلم، والكتابة على اللوح بالطباشير، والكتابة من خلال استخدام التقنيات الإلكترونيّة الحديثة؛ بحيث يكتب ما يريد أن يحفظه، ومن ثمّ يمسح الآيات شيئاً فشيئاً حتى يتمكّن من حِفظ المَقطع كاملاً، كما أنّ بإمكانه استخدام خياله في حِفظ الآيات؛ بحيث يتخيّل الآيات التي يحفظها، ويرسم مشاهدها في خياله، وهذا من شأنه أن يُرسّخ الآيات التي يحفظها، بالإضافة إلى استخدام المصحف نفسه في كلّ مرة يحفظ فيها؛ بحيث ينظر إلى المصحف، ثمّ يحفظ رَسم الآيات، وتشكيلها؛ من خلال إمعان النَّظَر فيها، وبعد ذلك يُغلق المصحف، فيرى الآيات ورَسْمها وكأنّها أمام عينَيه.
  • النَّمَط السمعيّ: يُعَدّ استخدام حاسّة السَّمع في الحِفظ من الطرق الفعّالة عند الأشخاص السمعيّين، وذلك يكون بأكثر من طريقة؛ فإمّا من خلال كثرة التغنّي بقراءة القرآن، وترتيله باللسان؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (ليسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ)،[ظ§] أو من خلال تكرار الاستماع إلى أحد القُرّاء المُتقِنين تلاوةَ القرآن الكريم، أو من خلال تسجيل الحافظ قراءَته، والاستماع إليها، وإعادة تسجيلها مرّات عديدة مع تصحيح الأخطاء التي وُجِدت في التسجيلات السابقة، وتكرار ذلك إلى أن يتأكّد من سلامة تسجيله من الأخطاء، ويستمع إلى تلاوته ليلاً ونهاراً إلى أن يتمكّن من حِفظ السورة.
  • النَّمَط الحسّي: يُعَدّ الشخص الحسّي من الأشخاص الذين يستطيعون حِفظ الآيات من خلال فَهم معانيها ومَدلولاتها، بالإضافة إلى معرفته أسباب النزول، وإلمامه بتفسير تلك الآيات، ومن الأمور التي تُعين على الحِفظ لديه: ذهابُه إلى حلقات تحفيظ القرآن في المساجد؛ ممّا يُحرّك في نفسه حُبّ المُنافسة والمُثابرة على الحِفظ، بالإضافة إلى استثمار وقت قيام الليل؛ بترتيل الآيات، واستشعار لَذّتها وحلاوتها في وقت العبادة، وفي وقت خُلوته مع الله -سبحانه وتعالى-.

طريقة تحفيظ القرآن الكريم للأطفال

يُعَدّ اهتمام الأهل بتحفيظ أطفالهم القرآنَ الكريمَ من أفضل الأعمال، خاصّة إذا ابتُدِئ معهم ذلك منذ الصِّغر؛ فهو خير مُعين للطفل على حِفظ القرآن، والطفل الذي اعتاد سماعَ القرآن الكريم منذ صِغره يكون أسرع في الحِفظ من غيره، ويُمكن للطفل أن يبدأ بحِفظ القرآن بالتلقّي منذ عُمر الثالثة، والرابعة؛ فقد حَفِظ الطبريّ القرآن وهو في سنّ السابعة، وحَفِظه السيوطي وهو في السادسة من عُمره، وتجدر الإشارة إلى أنّ تحفيظ الأطفال يجب أن يكون من شخص مُتقِن لتلاوة القرآن الكريم؛ سواء كان أحد الوالدَين، أو مُعلّماً مُتقِناً لتلاوته من أهل القرآن، مع ضرورة وجود المصحف مع الطفل خلال الحِفظ؛ حتى يعتاد النَّظَر إلى الكلمات، وإلى طريقة رَسْمها، ويَربط بينها وبين حِفظه والنُّطق السليم لها، ومن الممكن الاستفادة من الأشرطة التعليميّة المُكرَّرة في تحفيظ القرآن، بالإضافة إلى البَدء بحِفظ السُّوَر القصيرة؛ حتى يكون ذلك أسهل عليه،[ظ¨] ولحِفظ القرآن الكريم وسائل وأساليب عديدة تساعد على تيسير الحِفظ للأطفال، ومن هذه الوسائل ما يأتي:[ظ©]

  • زرع حُبّ القرآن الكريم في نفس الطفل؛ لأنّ حُبّ القرآن يُولِّد الرغبة في حِفظه، فتزداد الألفة بين الطفل وبين تعلُّمه القرآنَ الكريمَ.
  • الحرص على تشجيع الطفل، ومدحه عند إنجازه في الحِفظ، ومُكافأته؛ بمَنحه الهدايا، وما إلى ذلك.
  • تحفيز روح المُنافسة بينه وبين أقرانه، وزملائه.
  • اختيار الوقت المناسب للحِفظ؛ بحيث يكون الجوّ العامّ مُلائماً لذلك؛ فإمّا أن يكون في فترات الصباح الباكر، أو في المساء، مع مَنْحه وقتاً؛ للترويح عن نَفسه بين كلّ فترة وأخرى.
  • اختيار المكان المناسب؛ بحيث يكون ذا إضاءة مناسبة، وتهوية جيّدة، بعيداً عن المُلهِيات التي تشغل بالَ الطفل.
  • استخدام طبعة واحدة من المصحف في كلّ مرّة، واعتماد هذه الطبعة دون تغييرها.
  • استخدام طريقة نَسْخ الآيات المُراد حِفظها بطريقة الرَّسْم القرآنيّ نفسها.
  • الحرص على تصحيح قراءة الطفل قبل الشروع في الحِفظ؛ حتى لا يكون حِفظه مَبنيّاً على قراءة خاطئة.
  • الرَّبْط بين الحِفظ والمعنى المُراد؛ حتى يترسَّخَ الحِفظ في ذِهن الطفل، بالغضافة إلى الرَّبْط بين المُتشابهات؛ حتى يستطيع الطفل التفريق بينهما.
  • الإكثار من التكرار.
  • الحرص على وَضع الأطفال في مجموعات؛ وِفقاً لمُستواهم في الحِفظ، وليس بالضرورة حسب العُمر.
  • تفعيل الحِوار بين الطفل ومُعلِّمه في حلقات الحِفظ.
  • زَرع حُبّ الجنّة من خلال القرآن الكريم، وبيان أنّ القرآن طريق الوصول إليها.

نصائح وتوجيهات لمَن يودّ حِفظ القرآن

هناك العديد من النصائح والتوجيهات لِمَن يودّ حِفظ القرآن الكريم، ومنها ما يأتي:[ظ،ظ ]

  • الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى-، وإخلاص النيّة له.
  • الالتحاق بحلقات التحفيظ؛ لأنّ الحِفظ مع الجماعة يزيد الهمّةَ والعزيمةَ.
  • الحِفظ بقَدرٍ بسيطٍ مُثبَّت ومُمَكَّن أفضل من الحِفظ الكثير دون تمكين.
  • الالتزام بوِرْدٍ يوميّ من الحِفظ، والمُراجعة، والتلاوة حسب المقدرة والطاقة.
  • البَدء بالحِفظ من جزء عمَّ، ثمّ تبارك، ثمّ الذي قبله حسب ترتيب المصحف، وهكذا.
  • الحرص على قراءة ما تمّ حِفظه في الصلاة، وتحديداً في النوافل منها.
  • استثمار الأيّام والأشهر الفضيلة في حِفظ القرآن، كشهر رمضان، ويوم الجمعة؛ وذلك لتثبيت الحِفظ، ومُراجعته.
  • اختيار الوقت المُناسب للحِفظ، ويختلف ذلك من شخص إلى آخر.

أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته

ليس غريباً أنْ ينال أهل القرآن مكانة عليّة في الإسلام؛ فقد شغلوا أوقاتهم في كتاب الله -تعالى- تلاوةً وحفظاً وتدبّراً وتطبيقاً؛ فكانوا بذلك خير النّاس وأفضلهم، وعند لقاء الله هم أهل الله وخاصّته، جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ)،[ظ،ظ،] يذكر كتاب السيرة الذاتية التاريخ ، فمنذ نزول القرآن إلى الوقت الحاضر ، كرس الكثير من الناس حياتهم للاهتمام بالكتاب المقدس وشرحه وتذكره واتخاذ إجراءات بشأنه. لأنهم كرسوا حياتهم للعناية بكتاب الله تعالى ، وكما يقول بيت الله ، هذا ما يقوله أهل الله ، لا يستطيع إلا شخص واحد تطهير نفسه سراً وعلناً وتطهير ذنوبه ، من الداخل إلى الخارج. فهي طاهرة وطاعة لتجميل الله ومجد الله.