يعتبر الحلم من وسائل الدماغ للتعبير عن قدراته الخلاقة وحبه للتخيل والتصوير يعتقد البعض أن الأحلام ناتجة عن الكبت والشعور بالذنب والندم ولكن كثيرا ما تكون الأحلام ساحة للهو والمرح والحرية للدماغ فينسخ قصصا مذهلة بأحداثها وصورها ، فيها المعقول واللامعقول، ومنها له مغزى ومنها تعرف على ما هى بلا معنى ومنها ما يضحك ومنها ما ينبه إلى أمر سيحدث .
لم يفهم عالم الأحلام لغاية الآن وقد جاءت منه الأعمال الأدبية والإبداعية والفنية ولكن ما يعرفه العلماء أن الدماغ بحاجة للأحلام ليحافظ على سلامته. ونادرا ما يكون النوم بلا أحلام ولا نتذكر منها إلا ما كان قبل اليقظة بقليل وتدل التجارب على أن النوم القليل يكون نافعا شريطة احتوائه على الأحلام وأن النوم أن لم يكن فيه أحلام يكون نوما عميقا.
ويستطيع العلماء اليوم أن يعرفوا متى يحلم النائم والتدخل بالمنافذ الكهربائية لمنع الأحلام من غير حرمانه من النوم. ويؤثر الحرمان على النوم بحيث يصبح الإنسان عصبيا ومنفعلا ويصل إلى حال الهوس. والأحلام ضرورة للراحة البدنية والنفسية والعقلية وكلما حلمت حتى أحلام يقظة وأدركت أبعادها ارتحت نفسيا وبدنيا.
وتسمى أحلام اليقظة بالأماني لأنها تخيلات تأتي كتوفيق أو مساومة بين واقع لا يرضيك ومثالية لا تستطيعها نتيجة خوف أو عجز عن تحقيق ما تريد ولا ضرر من توهم الأشياء الخيالية ولكن شريطة أن لا نغتر بها.
• "التخيل"حاول بعض علماء النفس تفسير هذا الفيض النفسي بالفاعلية اللاشعورية فقال (هوفدينغ)(2): (إن القسم الأعظم من عناصر تخيلنا يتجمع تحت عتبة اللاشعور ، فترتسم خطوط الصورة في العقل الباطن قبل أن تنبثق وتظهر ، فهي إذن نتيجة شعورية لعمل لا شعوري).
إن الإشراق الساطع كثيرا ما يكون مسبوقا بعمل تأملي وجهد فكري لقد قال (إجر-egger) : (الوجدان من غير بحث دليل على البحث من غير وجود) وقال (هنري بوانكاره): "لا يكون العمل اللاشعوري ممكنا ومنتجا إلا إذا سبقه وعقبه عمل شعوري ، ولا تشرق هذه الإلهامات السريعة على الإنسان إلا بعد جهود إرادية " إن الشخصية اللا شعورية تخترع المسائل التي بدأت بها الشخصية الشعورية وتحلها.
والعقل الباطن لا يستنبط شيئا لم ترغب النفس عن كشفه،من نفس الكتاب. ولولا هذا العمل الشعوري السابق لما انتج العمل اللاشعوري اللاحق. إن تاريخ الفنون والآداب والعلم حافل بالمتأملين والمتخيلين الذين أبدعوا في مجالات عدة منهم (موزار) الذي أبدع مزماره الساحر وهو يلعب البلياردو (وغوته) في كتاب آلام فرتر: "صنفت هذا الكتاب وأنا غير شاعر به .كمن يمشي في النوم، فلما راجعته تعجبت منه كثيرا".
نستنتج من ذلك أن المعاني والصور تشرق على العالم أو الشاعر إشراقا يخرجان بها عن حد الاختيار، كأن كلا منهما آلة تترجم عن وحي يوحى. ويمكن القول أن التخمر البطيء ضروري للإبداع، وهو يقتضي عملا شعوريا سابقا ولاحقا.
المصادر:
1.د.إبراهيم فريد الدر – مرجع سابق، ص315-316.
2. جميل صليبا- علم النفس ، ط3، دار الكتاب اللبناني 1972م ، ص448.