بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد،
إنّ الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وتوصف بأنّها عمود الدين، وهي العبادة الوحيدة التي تلقّاها الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرةً من رب العالمين من دون واسطة الوحي جبريل عليه السلام، وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج، ولا زال العديد من العلماء يفتون بأنّ تارك الصلاة المداوم على تركها كافر خارج عن ملّة الإسلام، وإن كان تركه لها تكاسلًا وليس جحودًا وإنكارً لشرعيّتها، وهؤلاء العلماء هم مجتهدون، ولديهم أدلّة على ما يفتون به، وقد خالفهم علماء آخرون في هذه المسألة، وقالوا بأنّ تارك الصلاة إن كان تركه لها كسلًا فهو ليس بكافر، وهذا الخلاف الذي نراه بين العلماء إن دل ّعلى شيء، فهو يدل على أهميّة الصلاة وعظمها، ومكانتها في الإسلام، فيجب على كل المسلم أن يحرص على الصلاة، وأن يؤدّيها بتمامها، وفي أوقاتها المحدّدة، وبصفتها الصحيحة، وألا يتركها أبدًا، حتى لا يكون كافرًا على رأي الذين قالوا بكفر تارك الصلاة.
إنّ الخشوع هو من الأمور المهمّة التي يجب أن يراعيها المسلم في صلاته، والخشوع هو كما عبر عنه صاحب لسان العرب بقوله: « خشع: رمى ببصره نحو الأرض وغضه، وخفض صوته...، واختشع إذا طأطأ صدره وتواضع... ».
وقد قال العلماء بأنّ الخشوع محلّه القلب، ويظهر أثره على الجوارح من سكونها وطمأنينتها، ويمكن أن نعرف الخشوع في الصلاة بأنّه: استحضار العبد في قلبه الخضوع والذل والإنكسار والإستكانة لله رب العالمين في أثناء الصلاة، بحيث يظهر أثر ذلك الاستحضار على جوارح الإنسان - أي أعضاء جسمه - فتصبح تلك الجوارح ساكنة ومطمئنة وخاضعة لله عز وجل، فلا يعبث بشيء من جسمه أو ملابسه، ولا يأتي بحركات ليست من الصلاة.
وللخشوع فضل عظيم، فهو من ما هى اسباب الفلاح والنّجاة للمؤمن عند رب العالمين، حيث يقول الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) } [المؤمنون: ? - ?]، والمؤمن لا يشعر بلذة الصلاة إذا لم يخشع بها، ولن ينال أجرها كاملة إذا كانت من دون خشوع تام، فهو لا يؤجر إلا بقدر ما خشع فيها.
يعاني الكثير من المسلمين من عدم الخشوع في الصلاة، فصلاتهم هي حركات يؤدونها من دون أي خشوع لله عز وجل، وبعضهم يكون خاشعًا بجوارحه، ولكن قلبه غافل، فلا يدري ولا يتدبر ما يقوله في صلاته، ولا شك أنّ هذه المشكلة لها حل إن أخلص الذي يعاني منها في نيّته، وقوى من عزيمته، وأراد حقًا أن يكون من الخاشعين.
يستطيع المسلم أن يستحضر الخشوع في قلبه أثناء الصلاة عن طريق مراعاة العديد من الأمور، ومنها:
1- أن يدعو الله بأن يعينه على الخشوع والخضوع له عز وجل.
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
3- أن يتذكر أنّه واقف بين يدي الله عز وجل.
4- أن يقوي المؤمن إيمانه بالله تعالى بالإتيان بما أمر، والابتعاد عما نهى وزجر، وأن يعرف الله حق معرفته، وأن يعبده حق عبادته.
5- أن يتعلّم صفة الصلاة الصحيحة التي كان يصلّيها الرسول صلى الله عليه وسلم.
6- أن يتدبّر في ما يقول في صلاته، بحيث يتدبر القرآن الذي يقرأه، ويتفكر في آياته ومعانيها.
7- أن يطمئن المسلم في صلاته ويتأنى بها، ولا يستعجل في إنهائها.
8- أن يتّخذ السترة في صلاته، حتى لا يمر بين يديه أحد وهو يصلّي.
9- ألا يصلّي وهو يدافع الأخبثين، أو في حضرة طعام، لأنّ ذلك يؤثر على خشوعه، وقد جاء النّص على هذين الأمرين في حديث نبوي صحيح.
ونسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، ونسأله أن يوفّق جميع المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يصلح لهم أمور دينهم، ويهديهم إلى الخشوع والخضوع له عز وجل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.