هناك ثوابت في حياة الإنسان، ومشاعر لا يمكن لحياته أن تستقيم بدونها، ومن هذه المشاعر الشعور بالانتماء إلى شئ معين، فشعور الإنسان بانقطاعه عن باقي الأشياء وعدم وجود مرجعية أو حضن يضمه هو شعور يولد لديه مشاعر اليأس والإحباط واللاجدوى من كل شيء، إضافة إلى فقدانه الإحساس بقيمة الحياة التي يعيشها، فيصبح كالميت بجسد الحي، لأن روحه ونفسه تكونان قد فقدتا محفزاً أساسياً من محفزاتهما المختلفة، لأن الإنسان في بعض الأحيان وقد تكون أحياناً وحالات جداً قليلة، إن لم يكترث بنفسه ولم يسع أو يعمل لتطويرها والنهوض بها، سيجد في محيطه الذي يحبه ويخاف عليه حافزاً ودافعاً وملهماً له للعمل والإنتاج وتطوير الذات.
الوطن هو أحدى الحاضنات التي تحتضن الإنسان نفساً وعقلاً وجسداً وروحاً، فالوطن هو المسكن والمستقر والحياة، وهو الذي بدونه لن يكون هناك أي نوع من الأمان على النفس أو على المستقبل أو إمكانية العيش الكريم أو القدرة على التعليم الجيد، أو التكاثر والزواج، وغيرها العديد من الأنشطة البشرية الهامة.
من هنا جاء مفهوم وتعريف ومعنى خدمة الوطن، فبقدر ما نعطي الوطن سيعطينا، وبقدر ما ضخخنا فيه من عمل وجهد وبذل وتضحية، بقدر ما ضخ فينا حباً واستقراراً وعيشاً هانئاً، لهذا فنحن نخدم الوطن بدرجة أولى كي نستفيد نحن، وتستفيد الأجيال من بعدنا.
الوطن هو أوسع الحاضنات وأشملها، فهو يسع كافة الأديان والطوائف والملل والأحزاب واإتجاهات الفكرية، فالجميع متشاركون فيه يخافون عليه، ويعملون لأجله، لهذا فالشعوب التي تحترم أنفسها، تضع كافة الاختلافات الفكرية والدينية وغيرها جانباً وتعمل كوحدة واحدة لأجل تقدم الوطن وازدهاره، فعند المصلحة العامة تتلاشى كافة المصالح الخاصة والفرعية الضيقة التي لا تمنح فوائد إلا لأصحابها ومعتنقيها فقط.
ومهما كانت الأوضاع سيئة ومهما كانت البلاد بائسة ومهما انتشر فيها الظلم والطغيان والجور، فلا بد أن يأتي يوم تعود فيه هذه البلاد إلى تألقها ورونقها، وهذا لا يكون بهجر البلد والعمل لأجل الآخرين، بل بتكاثف الجهود والرضا بأقل القليل والعمل معاً، فالخير عندها سيعم على الجميع، والشر أيضاً – لا سمح الله – سيعم على الجميع أيضاً، ومن هنا فالهجرة تفرغ الوطن من أبنائه الذين يمتلكون المهارات والكفاءات المهمة.
وفي مقابل هذا لا يجب على أصحاب السلطة والمال في البلد أن يتبجحوا على الذين يعيشون في مستويات متدنية من الحياة، عندما ينوون الهجرة إلى الخارج لتأمين العيش الكريم لهم ولعائلاتهم، فصحيح أن الوطن مقدم وله الأولوية، لكن الإنسان لن يستطيع أن يرى أسرته وعائلته وأولاده وأمه وأباه يتضورون جوعاً وهم يعيشون في الوطن وينتظر الفرج القريب.