يمتلك بعض النّاس حقيقةً إرادةً تهزّ الجبال وتعانق السّحاب ، تحملهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم بكلّ عزيمةٍ ومضاء ، فالإنسان بدون الإرادة يكون عاجزاً عن تحقيق أي شيءٍ في الحياة ، فالإرادة هي وقود أعمالنا وتطلّعاتنا ، وأينما وجدت الإرادة وجدت النّجاح ، فالنّجاح يرتبط بالإرادة ارتباطاً وثيقاً عميقاً ، لذلك تجد النّاجحين في أعمالهم وإبداعاتهم يمتلكون إرادةً صلبةً تشحذ هممهم باستمرار لبذل المزيد من العطاء .
وإنّ المتتبّع القارىء لتاريخنا الإسلاميّ يدرك أنّ الشّخصيّات الإسلاميّة التي خلّدت أسماؤها على صفحاته كانت تملك إرادةً قويّةً واجهت فيها الصّعاب والتّحديات ، ومن بين تلك النّماذج كان آل ياسر الذي عذّبوا على يد المشركين فصبروا على ذلك بإرادةٍ قويّةٍ متمسّكين بدينهم وعقيدتهم التي آمنوا بها على بصيرة ، وكان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يمرّ عليهم قائلاً مبشّراً ومثبّتاً صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة ، ولا شكّ بأنّ الدّين والعقيدة التي آمنوا بها قد ولّدت لديهم إرادةً ثبّتتهم على دينهم ، وكذلك كان حال معظم صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذين شهدت لهم ميادين النّزال بالبطولة والفداء والتّضحية ، ولا غرابة في ذلك فهم من ترّبوا على سنّة النبي الكريم واقتدوا به ، وهو الذي تمسّك برسالة ربّه التي كلّف بها فحارب الدّنيا من أجلها وعندما راجعه عمّه أبو طالب في شأنها قال والله لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في شمالي على أن أعود عن هذا الأمر ماعدت عنه أو أهلك دونه ، وسار الصّحابة و الخلفاء الرّاشدون على نهجه في الثّبات والإرادة الصّلبة ، فجاء أبو بكر الصّديق رضي الله عنه وحارب المرتدين بإرادةٍ وعزيمةٍ لاتفتر عندما منعوا أداء الزّكاة إلى بيت مال المسلمين ، وجاء سيّدنا علي ابن أبي طالب وتعرّض للمحن والتّحديات المختلفة في عصره وواجه تربّص الخارجين والمفسدين بإرادةٍ صلبةٍ ، فقاتل الخوارج وهزمهم في معارك كثيرة .
ولكي يتمتع المسلم بإرادةٍ قويّةٍ عليه بالتّأسّي بصفات هؤلاء الأبطال وكيف صبروا على ما آمنوا به وحاربوا وقاتلوا من أجل عقيدتهم ولم يستسلموا ، وعلى المسلم الذي يريد أن يقوي إرادته أن يصقل شخصيّته ويشخذها بصفات الشّجاعة والإقدام حتى تبقى مشتعلةً متوقّدةً قادرةً على خوض غمار تحدّيات الحياة ومصاعبها ، كما أنّ عليه أن يعتصم بحبل الله المتين الذي يمد الإنسان بإرادةٍ قويّة صلبة لا تقهرها الرّياح العاتية .
