مُقدمة
نحنُ نعيش في مُجتمعات لا تكاد تتسّع لقُلوب البشر، فهُناك الكثيرون منْ الذين لا يطيقون العيْش دون المساس بحُريات الآخرين، ولا يستطيعون أنْ يتعاملوا أو يُعاملوا النّاس إلا بأسوأ الأخلاق وأبشع المُعاملة، وهؤلاء ليس لهم قائد يقُودُهم لفعل تلك الأفعال البشعة منْ جرائم وسرقات وهتك أعراض إلا نفسهم التي تُسّول لهم السُوء والخبائث، وهناك نوع آخر لا يقلْ أهميّة في الدّراسة عن هذا النّوع، وهو نوع ضعيف مكسُور الجناح، لا يستطيع الدّفاع عن نفسه، لايقوى على الحديث والكلام جهاراً، ومنهُم منْ لا يقوى على النّظر في أوجه الآخرين خوفاً منْ نظرات قد تُشعرهم بالخوف، فهل منْ حُلول لهاتين المُشكلتين، فالنّاس لا تقوى على كل هذا، وقد يرى البعض أنّ منْ واجب الفئة الثالثة أنْ تعمل على إصْلاح الأولى وأنْ تبحث في مُشكلة الثّانية، ولكنْ ما سيتم تناولُه في هذا المقال هو كيفيّة التّعرُف على الحُقوق والواجبات لكلٍ منْ هؤلاء، ولكنْ وفق إطار مرجعي لكافة أفراد المُجتمع، فيخلُص الجميع لدُستور للقوانين فتعرف ما هو القانون؟ وما هيتُه في الدّولة؟ وبماذا يهُم القانون المُجتمعات وكيف ينهض بها؟ وما الدّور الذي يلعبُه في رفعة المُجتمعات؟
القاضي العادل والبلد الآمن، المذنبون الذين يلقُون عقابهُم كي يكونوا عبرة لغيرهم، والمظلومون الذين يأخذون حُقوقهم بفضل العدل وسيادة الحقْ المُنتصر دائماً ولو بعد حين، هذه الأشياء قد يعتبرها أحد النّاس العامّة أنّها أحلام وأوهام لا يُمكن تحقيقها إلّا في الخيال، لكنْ لا يُمكن تحقيق النّجاح إلّا إذا تمّ إصْلاح المُسبب والمصدر الرّئيس، فالقضاء هو أساس تقوم عليه جميع الدُول والممالك والجُمهوريات، يسّن القوانين منْ خلال الدُستُور وعلى أبناء هذا المُجتمع عليهم الالتزام بها، أمّا عن هذه الحُقوق فهي مشروعة لتحفظ لكل فرد في الدّولة حُقه كاملاً دون أي إنْقاص في أيّ جانب من جوانب حياته.
أهميّة القضاء
لعلّ من اجمل وافضل العبارات وكلمات وعبارات التي تُسمع أو تُقال في هذا الموضوع هي عبارة رئيس وزراء لدّولة عريقة مثل دولة بريطانيا، حيثُ قال "حين علمتُ بأنّ قضاء الدّولة البريطانية بخير، أدركتُ أنّ بريطانيا باتت بألف خير"، وما كانت هذه الكلمات وعبارات لتخرُج منْ فم هذا الرجل إلّا وقد خبر ما تعنيه السُلطّة القضائية والقضاء بشكل عام للدّولة وأفرادها، وإنْ أردنا أنْ نحصُر هذه الأمور في أمرٍ فهو القاضي، فالقاضي ليس بالمنصبْ السّهل، وليس بالمنصبْ المُريح، فهو يحمل الأعباء والهُموم ما لا تُطيق الجبال على حمله، فهو يبُتْ في أمر النّاس، ويحكُم بينهُم، ويسعى جاهداً للوصُول إلى العدل، والرّحمة، والمُساواة في الحُقوق، الإنصاف، عقاب المُذنبين، والأهم من هذا كُله استغلال روح القانون والعدالة في إعطاء دُروساً للمُذنبين والمُحاولة في إصلاح حالهم، لذا فإنّ منْ أهم الأمور التي يُقدمُها القضاء للمُجتمع هي:
العدْل
فالعدْل لُغة هي المُساواة والعُدول، أيْ اقتران الشّيئين وتنافُسهم في المثل، أما قضاءً واصطلاحاً فتعني لنا الكثير وهي أنْ نحقْ الحقْ بين النّاس، وألا نُميّز بين غنيٍ ولا فقير، ولا بين ذي عزٍ وجاه وسند وآخر ليس له إلّا نفسه في هذه الحياة، ويشمل العدْل المُعاملة المُتساويّة بين أولئك الذين يُوفدون للدّولة منْ خارجها، فليس عدلاً أنْ نُميّز بين أبناء الدّولة والذين يزورُوها، فلُغة العدْل في القضاء هي لُغة ذات كلمات وعبارات ومعانٍ لا يُدركُها سوى منْ يُتقنْ فُنون المُساواة بين الأفراد فلا نُميّز بينهُم حين نبدأ في الحُكم عليهم، فكُلٌ يٌؤخذ منهٌ كلامٌه حتى نهايتٌه، أمّا عن تأثيره هذه الخاصيّة في القضاء والمُجتمع فلها الأثر العظيم في هذا المُجتمع، فإنْ بدأت المُحاكمات والقضاء بين النّاس بالبداية العادلة هذه فحتماً سيكون له الأثر الطّيب والجميل وانتشاء المحبة لهذا الوطن الذي قد علّم أبنائه وأول ما علّمهم العدل والبُعد عن الظُلم.
الرّحمة
فللقضاء العادل الخبير بشؤون البلاد والنّاس الأهمية وفائدة البالغة التي ترمي أثرها في المُجتمع، بل إنّها قد تطال لتضع بصمات في التّاريخ وعلى مرّ العُصور، وخير مثال نستدّل به على هذه النُقطة، هو فترة الخلافة التي حكم فيها فاروق الأمّة الصّحابي الجليل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فلشدّة علمه بأمور الناس والقحطْ الذي أصاب النّاس، فبات مُطّبقاً لرحمة الإسلام حيث أنّه أبطل حدّ السّرقة في تلك الأيام العصيبة، وما كان سيدنا عُمر ليُقدم على هذه الخُطوة الخطيرة، إلّا وقد خبر بحال الأمة وغلبتهُ الرّحمة التي وصّانا بها النبي الكريم.
المُساواة في الحُقوق
لعلّ هذه الخاصيّة لها ارتباطاً وثيقاً بأول خاصيّة وهي العدل، ولكنْ قد نصل لفارق بينهما إنْ أطلْنا النّظر، فالعدل يكون في البدْء في مُعاملة الأشخاص، فقد يتقدّم للقاضي ابنْ ملك أو ابن رجُل ذا شأن في البلاد وبين شخص ضعيف وليس لهُ السّند والقُوة التي تجعلُه يُجابه ذاك الغنيّ، أمّا عن المُساواة في المُتابعة في العدل، فإنْ كان الخطأ واقعاً على الغني فعليه أنْ يدفعُه، فهو ما يدفع إلّا ما قد ارتكبتُه حماقاته، فلا فرق بينُه وبين البشر، فهو مثلهُم، فتطبيق المُساواة وهي في إنزال الحُكْم العادل على الطّرف المُخطئ مهما كانت مكانتُه، فهو في نهاية المطاف مُذنب ويجب أنْ ينال عقابُه، أمّا عن أثر هذه الخاصيّة في المُجتمع، فيُمكنُك الحديث بكلمة واحدة وهي الأمان، فيغدُو المرء لحياته وعمله دون أي خوف منْ الواسطة ولا ما تُسّمى بالمحسوبيّة، ولا التّمييز الجائر بين طبقات المُجتمع، وإنْ غدا الجميع لخدمة أوطانهم بحُب فهذا يقود البلاد للرّفعة والسُمُو بين بلاد العالم أجمع.
الإنصاف
إنْ شئنا الحديث عنْ الإنصاف هُنا فيجدُر بنا الحديث منْ جانبين، فالأول أنْ نمتثل لقول النّبي الكريم حيث قال "عليه الصّلاة والسّلام": انْصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فنحنُ إنْ نصرنا أخانا المظلوم فقد نقوم بإنصافه بهذا ورفعنا له شأنه بين النّاس فلا يشعُر بعدها بالنّقص أو بأنّه أقلْ درجةٍ منْ غيره في المُجتمع، أمّا عنْ الظّالم فإنْ رددناه عنْ ظُلمه نقوم بإنْصاف النّاس وأرحناهُم مما قد يلحقُه بهم من أذى وظُلم، ومنْ ناحية أخرى فقد نجدُنا أمام ثمرة قد زرعناها بأيدينا فيتحوّل هذا الظالم منْ جبّار ومُتسّلط على النّاس لشخص بسيط واقف لجانب الحقْ ومُدافعاً عنه، ومنْ الأثر الذي يرميه بين الناس هي المحبّة، فانتشار المحبّة بين الناس ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، فالشُعوب التي تزرع جُذور المحبة بين أبنائها بشتّى الطُرُق تجدُها ذات مكانة مرمُوقة في الأرض.
وفي خضم الحديث في موضوع كالقضاء وأثرُه بين أبناء المُجتمع الواحد، لابُدّ وأنْ نعرج على نُقطة بالغة الأهمية وفائدة وهي أنّ على الرّغم منْ النّصائح التي قد يُدلى بها للقضاء للرّأفة بالأمة، فهُناك أيضاً آراء أخرى تجدْ أنّ في العقاب الأمثل الذي يكون لدى الإنْس صورة عن مدى الضّرر الذي قد يلحق بك إنْ قُمت بارتكاب الخطأ، فقد يكون فيه ردْع للأفراد، ولكن هُنا يجب الانتباه لأمر مُهم وهو ليس التّصريح بالعقاب يعني التّصريح والمُغالاة فقد تجدْ البعض لا يفهم هذا الحق في القانون حقْ المعرفة، فيجب على القاضي التزام الشّدة واللّين في الحُكم، وكذلك السّلطة بأسرها، فلا يجُوز استخدام الشّدة فيتجبّر عليك الشّعب، ولا تقتصر على اللّين فتضيع الأمّة.