لقد جعل الله للسّاعة علاماتٍ تدلّ على قرب حدوثها، ومنها علاماتٌ صغرى وعلاماتٌ كبرى، فأمّا العلامات و دلائل الصّغرى فهي كثيرةٌ تكلّم عنها الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - في مناسباتٍ كثيرةٍ وحذّر المسلمين منها، فقد أخبر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أصحابه أنّ مبعثه والسّاعة كهاتين، وأشار بالسّبابة والوسطى، وهذا دلالةٌ على قرب السّاعة بين مبعث النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - ووفاته، ومن العلامات و دلائل التي أخبر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - عنها تنبّؤه بمعركة تحصل بين فئتين من المسلمين دعواهم واحدة، و ن العلامات و دلائل الصّغرى أيضاً التي سبق وظهرت انشقاق القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهناك علامات و دلائل ظهرت ومازالت مستمرّةً في الظهور، مثل ظهور الحفاة العراة رعاة الشّاة وهم يتطاولون في البنيان، واستحلال النّاس للخمر، وظهور القيّنات والمعازف، وغيرها، وهناك علامات و دلائل لم تظهر بعض وسنتطرق ووسائل إليها في هذا المقال.
ماذا بقي من علامات و دلائل الساعة الصغرى
هناك مجموعة من علامات و دلائل السّاعة الصغرى التي لم تظهر بعد، ومنها: (1)
- عودة جزيرة العرب جنّات وأنهاراً: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" لا تقوم السّاعة حتّى يكثر المال ويفيض، حتّى يخرج الرّجل زكاة ماله، فلا يجد أحداً يقبلها، وحتّى تعود أرض العرب جنّات وأنهاراً "، رواه مسلم.
- انتفاخ الأهلّة: وهذا واحد من الأدلة على قرب السّاعة، حيث يرى الهلال عند بداية ظهوره كبيراً، حتّى يقال ساعة خروجه إنّه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" من اقتراب السّاعة انتفاخ الأهلة "، رواه الألباني.
- تكليم السّباع والجمَاد الإنسَ: فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري، قال:" عدا الذّئب على شاة، فأخذها، فطلبه الرّاعي، فانتزعها منه، فأقعى على ذنبه، قال: ألا تتّقي الله تنزع منّي رزقاً ساقه الله إليَّ، فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد - صلّى الله عليه وسلّم - بيثرب، يخبر النّاس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه، حتّى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمّ أتى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبره، فأمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنودي بالصّلاة جامعة، ثمّ خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صدق، والذي نفسي بيده لا تقوم السّاعة حتّى يكلم السّباع الإنس، ويكلم الرّجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما حدّث أهله بعده "، أخرجه ابن حبّان.
- انحسَار الفرات عن جبل من ذهب: فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" يوشك الفرات أن يَحْسِرَ عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً "، وفي رواية " يَحْسِر عن جبل ذهب "، وفي رواية عند مسلم:" لا تقوم السّاعة حتى يَحْسِر الفرات عن جبل من ذهب يَقْتُل النّاس عليه، فَيُقْتل من كلّ مائة تسعة وتسعون، ويقول كلّ رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو ".
- خروج المَهدي: فقد ثبت في الأحاديث الصّحيحة أنّ الله سبحانه وتعالى سيبعث في آخر الزّمان خليفةً يحكم بين النّاس بالعدل، وهو الذي سيلي أمر هذه الأمّة من آل بيت الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - من سلالة فاطمة، واسمه يوافق اسم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، واسم أبيه اسم أبي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقد ذكر وصفه في الأحاديث بأنّه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جوراً وظلماً، فعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" لا تذهب الدّنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي "، رواه الترمذي وأبو داود، وفي رواية لأبي داود: قال:" لو لم يبق من الدّنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله فيه رجلاً مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً ".
أسماء يوم القيامة
يوم القيامة هو اليوم الذي يحلّ فيه نهاية هذا العالم، ويتلوه بعث النّاس ونشورهم، ووقفهم بين يدي الله عزّ وجلّ للحساب والجزاء، وله أسماء عدّة ذكرها عدد من العلماء، أمثال الغزالي والقرطبي، حيث بلغت خمسين اسماً كما يقول ابن حجر العسقلاني، ومن أشهر هذه الأسماء ما يلي: (2)
- يوم القيامة: فقد ورد ذكر هذا الاسم في سبعين آية من آيات القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى:" اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ "، النساء/87، وقوله سبحانه وتعالى:" وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا "، الإسراء/97، وقوله سبحانه وتعالى:" إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "، الشورى/45.
- اليوم الآخر: وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ "، البقرة/177.
- السّاعة: قال سبحانه وتعالى:" وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ "، الحجر/85.
- يوم البعث: قال سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ... "، الحج/5.
- يوم الخروج: قال سبحانه وتعالى:" يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ "، ق/42، وقال سبحانه وتعالى:" يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ "، المعارج/43.
- القارعة: قال سبحانه وتعالى:" الْقَارِعَةُ - مَا الْقَارِعَةُ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ "، القارعة/1-3.
- يوم الفصل: قال سبحانه وتعالى:" هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ "، الصافات/21.
- يوم الدين: قال سبحانه وتعالى:" وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ - يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ - وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ "، الانفطار/14-19.
- الصّاخة: قال سبحانه وتعالى:" فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ "، عبس/33.
أهوال يوم القيامة
إنّ يوم القيامة هو يوم عظيم، وله أهوال شديدة، ولا يعرف الإنسان مثيلاً له، وممّا يدلّ على عظم هول هذا اليوم، ما يلي: (2)
- أنّ الله سبحانه وتعالى وصف هذا اليوم بأنّه يوم عظيم، وهذا أمر كاف لبيان شدّة هوله، وأنّه أعظم ممّا قد يتصوره أيّ إنسان، وأكبر ممّا قد يتخيّله، قال سبحانه وتعالى:" أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ - لِيَوْمٍ عَظِيمٍ - يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "، المطففين/4-6، وقد وصفه الله عزّ وجلّ في موضع آخر بأنّه يوم ثقيل، وفي موضع آخر بالعسر، قال سبحانه وتعالى:" إنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا "، الدهر/27.
- أنّ هذا اليوم لشدّته تشخص فيه أبصار النّاس من ظلمته، ولا يرفّ لهم طرف من شدّة الرّعب، ولا يقدرون على الالتفات يمنةً أو يسرةً، وتصبح أفئدتهم خاليةً من شدّة خوفهم، لا يعون شيئاً ولا يعقلون، قال سبحانه وتعالى:" ولاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ - مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء "، إبراهيم/42-43.
- أنّ هذا اليوم يسبب انقطاع علائق الأنساب في يوم القيامة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ "، المؤمنون/101.
- أنّ الكفّار يكونون مستعدّين لأن يبذلوا أيّ شيء في سبيل تخلصهم من عذاب هذا اليوم، وأنّهم لو ملكوا ما في الأرض جميعاً لافتدوا به من العذاب، قال سبحانه وتعالى:" وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ "، يونس/54، ولو أنّ للكفّار ضعف ما على الأرض لافتدوا به من العذاب أيضاً، قال سبحانه وتعالى:" والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ "، الرعد/18.
- إنّ ممّا يدلّ على هول هذا اليوم وشدّته طوله، قال سبحانه وتعالى:" تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا - إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا - وَنَرَاهُ قَرِيبًا "، المعارج/4-7.
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب القيامة الصغرى/ عمر بن سليمان الأشقر العتيبي/ دار النفائس للنشر والتوزيع- الأردن/ الطبعة الرابعة.
(2) بتصرّف عن كتاب القيامة الكبرى/ عمر بن سليمان الأشقر العتيبي/ دار النفائس للنشر والتوزيع- الأردن/ الطبعة السادسة.