بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد،
إنّ للطعن في اللغة العديد من المعاني، منها: الوخز أو النخس، حيث يقول صاحب مقاييس اللغة في تعريفه للطعن: « وهو النَّخْس في الشيء بما يُنْفِذُه »، والنخس: هو أن يغرز بشيءٍ ما شيئًا آخر، ومن الأمثلة على الطعن: الطعن بالسكين أو الرمح أو ما شابه. والطعن يأتي أيضاً بالأقوال بمعنى: القدح والذم والشتم والتعييب، والإساءة بالكلام والغيبة، وأكل لحوم الناس والوقوع في أعراضهم ونحو ذلك. ويأتي الطعن أيضاً بمعنى: التقدّم في العمر، فيقال: هذا رجل طاعن في السن؛ أي كبير بالعمر. ويأتي كذلك بمعنى الشك والغدر، كأن يقال: طعنتُ في أمر ما: أي شككت فيه، واعترضت عليه، وكأن يقال أيضاً: طعنه في ظهره: أي خانه وغدر به.
وأحد معاني الطعن الذي سنخصه بالذكر في هذا المقال هو الطعن بالأقوال في الناس، وبالأخص الطعن في العلماء؛ لأنه من أخطر أنواع هذا الطعن.
لقد حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم من الطعن حين قال: « ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا باللَّعَّان ولا بالفاحش ولا البذيء » [صححه الألباني]. فالطعن هو علامة من علامات و دلائل قلة الإيمان، وباب من أبواب الشر والفساد، ففيه إفساد للقلوب، ونشر للعداوة والبغضاء والفرقة بين المسلمين، فالواجب على كل مسلم أن يبتعد عنه.
البعض من المنتسبين للعلم يوجهون الطعونات إلى من يخالفهم في الرأي، فلا يحترمون اجتهادات غيرهم، يفعلون ذلك حتى في المسائل التي يكون فيها الخلاف مقبولًا شرعاً! فهذا الذي يفعلونه هو خطأ كبير، وظلم لأولئك العلماء، فهؤلاء العلماء الذين يخالفونهم هم مأجورون عند رب العالمين حتى لو كانوا مخطئين في تلك الاجتهادات، فالمجتهد إن أصاب له أجران وإن أخطأ فواحد، كما قال رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
وربّما يصل الأمر بأحدهم إلى أن يهاجم عالمًا من العلماء الكبار المجددين من الذين يفوقونه علمًا وأدبًا ومكانةً، ولا يخجل من نفسه أبدًا حين يفعل ذلك! فحينها تصدق عليه هذه المقولة: « إن البُغاث بأرضنا يستنسر »!
ألم يسمعوا الحافظ ابن العساكر - رحمه الله - حين قال: « إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة »؟!
وقد تجد أحداً منهم يتصرف على تلك الشاكلة وهو في سن الشيخوخة! وهذا قد نلتمس له عذرًا، فالبعض عندما يدخلون في سن الشيخوخة يفقدون عقولهم أو شيئًا منها!
ومما لا شك فيه أن أولئك الذين يطعنون بالعلماء، ويأكلون لحومهم لا يستحقون منا المحبة والاحترام والتقدير لعدم تحليهم بالأخلاق الكريمة، ولعدم تبنيهم لمنهج الإنصاف والحيادية. ولكن مع كل الذي ذكرناه، فإنّه لا يضيرنا أن نأخذ من علمهم إن كان لديهم شيء من العلم، وأن ننصفهم إن كانوا يستحقون الإنصاف، والواجب علينا أن نقدّم النصح والإرشاد لهم، فالدين النصيحة، لعلهم يعودون إلى جادة الصواب في تصرفاتهم، ونسأل الله الهداية والرشد والصلاح لهم.