إنّ الإنسان حيٌ في هذه الحياة بجسده وروحه بشكل متكامل مع بعضهما البعض، وربما يطغي على فكر الإنسان أنّه يحيا بجسده مغفلًا روحه التي تسري في عروقه فيكون اهتمامه بالجسد أكثر من تنمية الروح وتطوير الذات، وكلاهما لهما الحق في الكثير من الجوانب، في الحفاظ عليها، ومن تنميته وتقويتها، وفي تجنيبها المخاطر التي قد تواجهها.
وقد حثّ الإسلام بطرق ووسائل كثيرة على تغذية الروح وتنمية الذات، وكذلك حث على تنمية وتغذية الجسد وإنقاذه من النار يوم القيامة، وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة وآيات قرآنية عظيمة تتضمن هذا الاهتمام بالروح والجسد، ولعلّ حديث "نعمتان مغبون بهما الكثير من الناس الصحة والفراغ"، هي دليل على أهمية وفائدة وضرورة تنمية الجسد بالحفاظ على صحته، وتنمية الروح بالحفاظ على وقتها أن يمضي في الأفضل.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النهار وتقوم الليل)، فقلت بلى يا رسول الله، قال: (فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإنّ لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا، وإنّ بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإنّ ذلك صيام الدهر كله)، فهذا الدين الحنيف رغم كل التكليفات التي كلّفها للمسلم إلّا أنّه لا يغفل حق هذا الجسد في الراحة، ثم إنّ راحته هي المعين له والطاقة التي تمدّه ليكون أقوى عند عمل الطاعات، والأقوى في اجتناب المعاصي، لذلك كان حق الجسد.
ويتمثل حقّ الجسد في منحه الراحة مع الموازنة في الصلاة والصوم وقيام الليل، فلا يصوم المسلم كل الدهر ولا يقوم كل الليالي، لأنّه بعد ذلك سوف يفتر جسمه وقد يصاب بالهزال والمرض فلا يستطيع أن يقوم بذاته ولا بواجباته الدينية.
وصحيحٌ أنّ الإسلام أعطى هذه الرخصة للمسلم بالحفاظ على جسده وإعطائه حقه، ولكن يجب أن يكون منطقيًا في هذا الحق وأنّ لا يسرف في تدليل جسده، وأنّ لا يسرف في منعه، فكلّا الأمرين شاذان عن القاعدة الأساسية القويمة، فمن حقوق الجسد أنّ لا يهلكه صاحبه بالعمل الشاق الدائم، وأن لا يهلكه بمهلكات الروح والجسد من التدخين والمسكرات التي تذهب بكل قوى الجسد إلى الهاوية، ومن أراد فعل ذلك سيكون ذا الخسران في الدنيا بأنّ خسر جسده وفي الآخرة بملاقاة جزاءه؛ لأنّه لم يحرص على النعمة التي سوف يسأله الله عنها يوم القيامة، ففي الحديث النبوي الشريف عن الرسول عليه السلام أنّه قال : "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه فيما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه".
فليحرص كل إنسان كل الحرص على الاعتناء بجسده من ناحية صحته وممارسة الرياضة، وحفظه من أيّ ضررٍ قد يلحق به، واستثمار هذه الصحة في الأعمال الصالحة؛ لأنّه مقوية للجسم منشطة للروح.