مُقدِّمة
جعل الله سُبحانه وتعالى في الأرض له بُيوتًا يقصدها عبادَه للتعبّد والذِّكرِ والاجتماع على الخير ونشر كلِّ عِلم نافع وفضيلة، وقد ورد في الحديث القدسي: (قال اللَّهُ تعالى إنَّ بُيوتي في أرضيَ المساجِدُ وإنَّ زُوَّاري فيها عُمَّارُها فطوبى لعبدٍ تَطَهَّرَ في بَيتِهِ ثمَّ زارَني في بيتي فحَقٌّ على الْمَزورِ أن يُكرِمَ زائِرَهُ) رواه الزيعلي، في تخريج الكشَّاف، رقم: 2/57، وقال عنه: غريب. وقال الله سُبحانه وتعالى: (في بيوتٍ أَذِنَ الله أن تُرفعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ يُسَبِّحُ له فيها بالغُدُوِّ والآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقامِ الصَّلاة وإيتاء الزَّكاةِ) سورة النور، 36-37.
والمسجد لُغةً هو اسمُ مكان من فِعل سَجَدَ، وشرعًا فكل موضع من الأرض لقول النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (جُعِلتْ لي الأرضُ طَهورًا ومسجدًا) رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، رقم: 4/320، وقال عنه: إسناده جيّد. وهذا من خصائص أمّة سيّدنا محمد صلّى الله عليه سلّم، قال القاضي عياض: "لأنّ من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته". والمسجد اصطلاحًا هو مؤسسة دينيـة، اجتماعيـة، سياسـية، تربوية، اقتصادية ويُسمى مجازًا بدار العبـادة، يُؤدى فيها الصَّلوات الخمس جماعة بالإضافة إلى صلاة الجمعة، ويُطلـق على المسجد أيضًا اسم "جامع"، وخاصّة إذا كان كبيرًا.(1)
دور المساجد
عندما هاجر النَّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة، كان أوّل عمل قام به هو بناء المسجد، وذلك لأهميّته ودوره المهمّ في حياة المجتمع المسلم، وفي المفهوم وتعريف ومعنى الشرعي فإنّ المسجد هو مكان العبودية الخالصة لله سُبحانه وتعالى، حيثُ قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) سورة الجن، 18. فبالتالي أحد أهم أدوار المسجد هي:(2)
من هذه الأدوار السابقة للمسجد يتبيّن لنا عِظم جريمة تعطيل أي دور له، والذي يعكي نتائجه على الفرد وعلى المُجتمع، فقد قال الله سُبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) سورة البقرة، 114.
حقوق المساجد
بما أنّ المساجد بيوت الله سُبحانه وتعالى، فحقّ على المسلم أن يراعي آدابه وحقوقه، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:(3)
إعمار المساجد
يأتي في مقدّمة هذه الحقوق إعمار وبناء المساجد، وصيانة المساجد القائمة، والمداومة على تفقّد ما تحتاجه المساجد، من نظافة وكهرباء وماء، وسجّاد، وإضاءة، إلى غير ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشجعًا على مثل هذه الأعمال: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه المنذري في الترغيب والترهيب، رقم: 1/155، وقال عنه: إسناده صحيح. وعليه ينبغي ألا تكون المساجد أقل من بيوتنا من حيث النظافة والأناقة والترتيب وتوفير الراحة وذلك حتى ينجذب الإنسان إليها ويجد فيها راحته وطمأنينته.
تعظيم المساجد
يجب على المرء المسلم أن يعظِّم المساجد لأنَّها بيوت الله، وعندما نزور المساجد فإننا نزور بيوت الله، وحقّ على الزائر أن يحترم ويوقّر مكان الزيارة، وذلك لعِظَم المُزار وهو الله سُبحانه وتعال، كما أنّنا أُمرنا بتعظيم شعائر الله، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج، 32.
قبل الدخول إلى المساجد
ينبغي على المسلم أن يتهيأ ويتزيّن قبل ذهابه للمسجد تطبيقًا وامتثالاً لقول الله سُبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سورة الأعراف، 31.، وذلك يكون بالتطهّر والوضوء، وبأن يلبس أحسن الثياب وأنظفها، وأن يتطيّب ويتعطّر، ويحسِن ترتيب شعره، والانتباه لنظافة جواربه، وتجنّب أكل ما يؤذي رائحته كالتدخين، والثوم والبصل، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) رواه مسلم في صحيحه، رقم: 564.
عند الدخول إلى المساجد
وعند الدخول إلى المساجد، يبنغي أن يدخل المسلم مُقدِّمًا قدمه اليُمنى، ويقول دعاء الدُّخول المأثور عن النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلِ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ) رواه أبو داود في سننه، رقم: 465. كما ينبغي أن يترك المسلم حذاءه في الأماكن المُخصّصة لذلك، وأن يزيل ما علق به من أسواخ، ويحذر أن يرفع المسلم حذاءه فوق رؤوس المُصلّين لئلا يتأذوا من ذلك.
أثناء المكوث في المساجد
يُستحب للمسلم أن يُصلّي ركعتين تحيّةَ المسجد وذلك قبل أن يجلس، فإن لم يستطع فليقل: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).(3) وفي المسجد، ينبغي على المسلم أن يتجنّب رفع صوته ولو كان ذلك بتلاوة القرآن، لئلا يشوّش المصلين على بعض، فعن أبي سعيد الخُدري أنه قال: (اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ) رواه أبو داود في سننه، رقم: 1332، وصححه الألباني.
كما يجب تجنّب البيع والشراء داخل المساجد، وكذلك الاشتغال بأمور الدنيا، والخصومات والالبحث عن المفقودات، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو: (أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنْ الشراءِ والبيعِ في المسجدِ وأن تُنْشَدَ فيه ضَالّةٌ وأنْ يٌنْشَدَ فيه شِعْرٌ ونَهَى عنِ التَّحْلِقِ قبلَ الصلاةِ يومَ الجمعةِ) رواه أبو داود في سننه، رقم: 1079، وصححه أحمد شاكر.